فصل: باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكتاب **


  باب اشتراك الفعل في أن وانقطاع الآخر

من الأوّل الذي عمل فيه أن فالحروف التي تشرك‏:‏ الواو والفاء وثمّ وأو‏.‏

وذلك قولك‏:‏ أريد أن تأتيني ثم تحدّثني وأريد أن تفعل ذاك وتحسن وأريد أن تأتينا فتبايعنا وأريد أن تنطق بجميل أو تسكت‏.‏

ولو قلت‏:‏ أريد أن تأتيني ثم تحدّثني جاز كأنك قلت‏:‏ أريد إتيانك ثم تحدّثني‏.‏

ويجوز الرفع في جميع هذه الحروف التي تشرك على هذا المثال‏.‏

وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوّة ثمّ يقول للنّاس كونوا عباداً لي من دون الله ‏"‏ ثم قال سبحانه‏:‏ ‏"‏ ولا يأمركم ‏"‏ فجاءت منقطعة من الأوّل لأنّه أراد‏:‏ ولا يأمركم الله‏.‏

وقد نصبها بعضهم على قوله‏:‏ وما كان لبشر أن يأمركم أن تتخذوا‏.‏

وتقول‏:‏ أريد أن تأتيني فتشتمني لم يرد الشّتيمة ولكنّه قال‏:‏ كلّما أردت إتيانك شتمتني‏.‏

هذا معنى كلامه فمن ثمّ نقطع من أن‏.‏

قال رؤبة‏:‏ أي فإذا هو يعجمه‏.‏

وقال الله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام ‏"‏ أي ونحن نقرّ في الأرحام لأنّه ذكر الحديث للبيان ولم يذكره للإقرار‏.‏

وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ أن تضلّ إحداهما الأخرى فتذكر إحدهما الأخرى ‏"‏ فانتصب لأنّه أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى ومن أجل أن تذكّر‏.‏

فإن قال إنسان‏:‏ كيف جاز أن تقول‏:‏ أن تضلّ ولم يعدّ هذا للضلال وللالتباس فإنما ذكر أن تضلّ لأنه سبب الأذكار كما يقول الرجل‏:‏ أعددته أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب بإعداد ذلك ميلان الحائط ولكنّه أخبر بعلّة الدّعم وبسببه‏.‏

وقرأ أهل الكوفة‏:‏ ‏"‏ فتذكّر ‏"‏ رفعاً‏.‏

وسألت الخليل عن قول الشاعر لبعض الحجازييّن‏:‏ فما هو إلاّ أن أراها فجاءة فأبهت حتّى ما أكاد أجيب فقال‏:‏ أنت في أبهت بالخيار إن شئت حملتها على أن وإن شئت لم تحملها عليه فرفعت كأنّك قلت‏:‏ ما هو إلاّ الرأي فأبهت‏.‏

وقال ابن أحمر فيما جاء منقطعاً من أن‏:‏ يعالج عاقراً أعيت عليه ليلقحها فينتجها حوارا وتقول‏:‏ لا يعدو أن يأتيك فيصنع ما تريد وإن شئت رفعت كأنّك قلت لا يعدو ذلك فيصنع ما تريد‏.‏

وتقول‏:‏ ما عدا أن رآني فيثب كأنّه قال ما عدا ذلك فيثب لأنه ليس على أوّل الكلام‏.‏

فإن أردت أن تحمل الكلام على أن فإنّ أحسنه ووجهه أن تقول‏:‏ ما عدا أن رآني فوثب فضعف يثب هاهنا كضعف ما أتيتني فتحدّثني إذا حملت الكلام على ما‏.‏

ونقول‏:‏ ما عدوت أن فعلت وهذا هو الكلام ولا أعدوا أن أفعل وما آلو أن أفعل يعني لقد جهدت أن أفعل‏.‏

وتقول‏:‏ ما عدوت أن آتيك أي ما عدوت أن يكون هذا من رأي فيما أستقبل‏.‏

ويجوز أن يجعل أفعل في موضع فعلت ولا يجوز فعلت في موضع أفعل إلاّ في مجازاة نحو‏:‏ إن فعلت فعلت‏.‏

وتقول‏:‏ والله ما أعدو أن جالستك أي أن كنت فعلت ذلك أي ما أجاوز مجالستك فيما مضى‏.‏

ولو أراد ما أعدو أن جالستك غداً كان محالاً ونقضاً كما أنه لو قال‏:‏ ما أعدو أن أجالسك أمس كان محالا‏.‏

وإنّما ذكرت هذا لتصرّف وجوهه ومعانيه وأن لا تستحيل منه مستقيماً فإنّه كلام يستعمله ومما جاء منقطعاً قول الشاعر وهو عبد الرحمن بن أمّ الحكم‏:‏ على الحكم المأتيّ يوماً إذا قضى قضيّته أن لا يجوز ويقصد كأنّه قال‏:‏ عليه غير الجور ولكنّه يقصد أو هو قاصد فابتدأ ولم يحمل الكلام على أن كما تقول‏:‏ عليه أن لا يجور وينبغي له كذا وكذا فالابتداء في هذا أسبق وأعرف لأنّها بمنزلة قولك كأنّه قال‏:‏ ونولك‏.‏

فمن ثمّ لا يكادون يحملونها على أن‏.‏

  هذا باب الجزاء

فما يجازى به من الأسماء غير الظروف‏:‏ من وما وأيهم‏.‏

وما يجازى به من الظروف‏:‏ أيّ حين ومتى وأين وأنّى وحيثما‏.‏

ومن غيرهما‏:‏ إن وإذ ما‏.‏

ولا يكون الجزاء في حيث ولا في إذ حتّى يضمّ إلى كلّ واحد منهما ما فتصير إذ مع ما بمنزلة إنّما وكأنّما وليست ما فيهما بلغو ولكنّ كلّ واحد منهما مع ما بمنزلة حرف واحد‏.‏

فممّا كان من الجزاء بإذما قول العبّاس بن مرداس‏:‏ إذ ما أتيت على الرسول فقل له حقاًّ عليك إذا اطمأنّ المجلس وقال الآخر قالوا‏:‏ هو لعبد الله بن همّام السّلوليّ‏:‏ إذ ما تريني اليوم مزجى ظعينتي أصعّد سيراً في البلاد وأفرع فإنّي من قوم سواكم وإنّما رجالي فهم بالحجاز وأشجع سمعناهما ممن يرويهما عن العرب‏.‏

والمعنى إمّا‏.‏

وممّا جاء من الجزاء بأنّي قول لبيد‏:‏ فأصبحت أنّي تأتها تلتبس بها كلا مر كبيها تحت رجلك شاجر أين تضرب بنا العداة تجدنا نصرف العيس نحوها للتّلاقي وإنّما منع حيث أن يجازى بها أنّك تقول‏:‏ حيث تكون أكون فتكون وصل لها كأنّك قلت‏:‏ المكان الذي تكون فيه أكون‏.‏

ويبيّن هذا أنّها في الخبر بمنزلة إنّما وكأنّما وإذا أنّه يبتدأ بعدها الأسماء أنك تقول‏:‏ حيث عبد الله قائم زيد وأكون حيث زيد قائم‏.‏

فحيث كهذه الحروف التي تبتدأ بعدها الأسماء في الخبر ولا يكون هذا من حروف الجزاء‏.‏

فإذا ضممت إليها ما صارت بمنزلة إن وما أشبهها ولم يجز فيها ما جاز فيها قبل أن تجئ بما وصارت بمنزلة إمّا‏.‏

وأمّا قول النحويّين‏:‏ يجازى بكلّ شئ يستفهم به فلا يستقيم من قبل أنك تجازى بإن وبحيثما وإذ ما ولا يستقيم بهن الاستفهام ولكنّ القول فيه كالقول في الاستفهام‏.‏

ألا ترى أنك إذا استفهمت لم تجعل ما بعده صلة‏.‏

فالوجه أن تقول‏:‏ الفعل ليس في الجزاء بصلة لما قبله كما أنّه في حروف الاستفهام ليس صلة لما قبله وإذا قلت‏:‏ حيثما تكن أكن فليس بصلة لما قبله كما أنّك إذا قلت أين تكون وأنت تستفهم فليس الفعل بصلة لما قبله فهذا في الجزاء ليس بصلة لما قبله كما أنّ ذلك في الاستفهام ليس بوصل لما قبله‏.‏

وتقول‏:‏ من يضربك في الاستفهام وفي الجزاء‏:‏ من يضربك أضربه فالفعل فيهما غير صلة‏.‏

وسألت الخليل عن مهما فقال‏:‏ هي ما أدخلت معها ما لغواً بمنزلتها مع متى إذا قلت متى ما تأتني آتك وبمنزلتها مع إن إذا قلت إن ما تأتني آتك وبمنزلتها مع أين كما قال سبحانه وتعالى‏:‏ ‏"‏ أينما تكونوا يدرككم الموت ‏"‏ وبمنزلتها مع أيّ إذا قلت‏:‏ ‏"‏ أيّاما تدعوا فله الأسماء الحسنى ‏"‏ ولكنهم استقبحوا أن يكرّروا لفظاً واحداً فيقولوا‏:‏ ماما فأبدلوا الهاء من الألف التي في الأولى‏.‏

وقد يجوز أن يكون مه كإذ ضمّ إليها ما‏.‏

وسألت الخليل عن قوله‏:‏ كيف تصنع أصنع‏.‏

فقال‏:‏ هي مستكرهة وليست من حروف الجزاء ومخرجها على الجزاء لأنّ معناها على أيّ حال تكن أكن‏.‏

وسألته عن إذا ما منعهم أن يجازوا بها فقال‏:‏ الفعل في إذا بمنزلته في إذ إذا قلت‏:‏ أتذكر إذ تقول فإذا فيما تستقبل بمنزلة إذ فيما مضى‏.‏

ويبيّن هذا أنّ إذا تجئ وقتاً معلوماً ألا ترى أنّك لو قلت‏:‏ آتيك إذا احمرّ البسر كان حسناً ولو قلت‏:‏ آتيك إن احمرّ البسر كان قبيحاً‏.‏

فإن أبداً مبهمة وكذلك حروف الجزاء‏.‏

وإذا توصل بالفعل فالفعل في إذا بمنزلته في حين كأنك قلت‏:‏ الحين الذي تأتيني فيه آتيك فيه‏.‏

وقال ذو الرمّة‏:‏ تصغي إذا شدّها بالرّحل جانحة حتى إذا ما استوى في غرزها تثب‏.‏

وقال الآخر ويقال وضعه النحويّون‏:‏ وقد جازوا بها في الشّعر مضطرّين شبهوها بإن حيث رأوها لما يستقبل وأنها لا بدّلها من جواب‏.‏

وقال قيس بن الخطيم الأنصاريّ‏:‏ إذا قصرت أسيافنا كان وصلها خطانا إلى أعدائنا فنضارب وقال الفرزدق‏:‏ ترفع لي خندف والله يرفع لي ناراً إذا خمدت نيرانهم تقد وقال بعض السّلوليّين‏:‏ إذا لم تزل في كلّ دار عرفتها لها واكف من دمع عينك يسجم فهذا اضطرار وهو في الكلام خطأ ولكنّ الجيّد قول كعب بن زهير‏:‏ وإذا ما تشاء تبعث منها مغرب الشمس ناشطاً مذعوراً واعلم أنّ حروف الجزاء تجزم الأفعال وينجزم الجواب بما قبله‏.‏

وزعم الخليل أنّك إذا قلت‏:‏ إن تأتني آتك فآتك انجزمت بإن تأتني كما تنجزم إذا كانت جواباً للأمر حين قلت‏:‏ ائتني آتك‏.‏

وزعم الخليل أن إن هي أمّ حروف الجزاء فسألته‏:‏ لم قلت ذلك فقال‏:‏ من قبل أنّي أرى حروف الجزاء قد يتصرّفن فيكنّ استفهاما ومنها ما يفارقه ما فلا يكون فيه الجزاء وهذه على حال واحدة أبداً لا تفارق المجازاة‏.‏

واعلم أنّه لا يكون جواب الجزاء إلا بفعل أو بالفاء فأمّا الجواب بالفعل فنحو قولك‏:‏ إن تأتني آتك وإن تضرب أضرب ونحو ذلك‏.‏

وأمّا الجواب بالفاء فقولك‏:‏ إن تأتني فأنا صاحبك‏.‏

ولا يكون الجواب في هذا الموضع بالواو ولا بثمّ‏.‏

ألا ترى أنّ الرجل يقول افعل كذا وكذا فتقول‏:‏ فإذن يكون كذا وكذا‏.‏

ويقول‏:‏ لم أغث أمس فتقول‏:‏ فقد أتاك الغوث اليوم‏.‏

ولو أدخلت الواو وثمّ في هذا الموضع تريد الجواب لم يجز‏.‏

وسألت الخليل عن قوله جلّ وعزّ‏:‏ ‏"‏ وإن تصبهم سيئة بما قدّمت أيديهم إذا هم يقنطون ‏"‏ فقال‏:‏ هذا كلام معلّق بالكلام الأوّل كما كانت الفاء معلقة بالكلام الأول وهذا ها هنا في موضع قنطلوا كما كان الجواب بالفاء في موضع الفعل‏.‏

قال‏:‏ ونظير ذلك قوله‏:‏ ‏"‏ سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون ‏"‏ بمنزلة أم صمتّم‏.‏

ومما يجعلها بمنزلة الفاء أنّها لا تجئ مبتدأة كما أنّ الفاء لا تجئ مبتدأة‏.‏

وزعم الخليل أنّ إدخال الفاء على إذا قبيح ولو كان إدخال الفاء على إذا حسناً لكان الكلام بغير الفاء قبيحاً فهذا قد استغنى عن الفاء كما استغنت الفاء عن غيرها فصارت إذا هاهنا جواباً كما صارت الفاء جواباً‏.‏

وسألته عن قوله‏:‏ إن تأتني أنا كريم فقال‏:‏ لا يكون هذا إلاّ أن يضطرّ شاعر من قبل أنّ أنا كريم يكون كلا ما مبتدأ والفاء وإذا لا يكونان إلاّ معلّقتين بما قبلهما فكرهوا أن يكون هذا جواباً حيث لم يشبه الفاء‏.‏

وقد قاله الشاعر مضطراً يشبهه بما يتكلّم به من الفعل‏.‏

قال حسّان بن ثابت‏:‏ من يفعل الحسنات الله يشكرها والشرّ بالشرّ عند الله مثلان وقال الأسديّ‏:‏ بني ثعل لا تنكعوا العنز شربها بني ثعل من ينكع العنز ظالم وزعم أنّه لا يحسن في الكلام إن تأتني لأفعلنّ من قبل أنّ لأفعلنّ تجئ مبتدأة‏.‏

ألا ترى أنّ الرجل يقول لأفعلنّ كذا وكذا‏.‏

فلو قلت‏:‏ إن أتيتني لأكرمنّك وإن لم تأتني لأغمّنّك جاز لأنّه في معنى لئن أتيتني لأكرمنّك ولئن لم تأتني لأغمّنّك ولا بدّ من هذه اللام مضمرة أو مظهرة لأنها لليمين كأنك قلت‏:‏ والله لئن أتيتني لأكرمنّك‏.‏

فإن قلت‏:‏ لئن تفعل لأفعلنّ قبح لأنّ لأفعلنّ على أوّل الكلام وقبح في الكلام أن تعمل إن أو شئ من حروف الجزاء في الأفعال حتى تجزمه في اللفظ ثم لا يكون لها جواب ينجزم بما قبله‏.‏

ألا ترى أنّك تقول‏:‏ آتيك إن أتيتني ولا تقول آتيك إن تأتني إلاّ في شعر لأنك أخّرت إن وما عملت فيه ولم تجعل لإن جوابا ينجزم بما قبله‏.‏

فهكذا جرى هذا في كلامهم‏.‏

ألا ترى أنه قال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين ‏"‏ وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وإلاّ تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين ‏"‏ لمّا كانت إن العاملة لم يحسن إلاّ أن يكون لها جواب ينجزم بما قبله‏.‏

فهذا الذي يشاكلها في كلامهم إذا عملت‏.‏

وقد تقول‏:‏ إن أتيتني آتيك أي آتيك إن أتيتني‏.‏

قال زهير‏:‏ وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم ولا يحسن إن تأتني آتيك من قبل أنّ إن هي العاملة‏.‏

وقد جاء في الشعر قال جرير بن عبد الله البجليّ‏:‏ يا أقرع بن حابس يا أقرع إنّك إن يصرع أخوك تصرع أي أنّك تصرع إن يصرع أخوك‏.‏

ومثل ذلك قوله‏:‏ هذا سراقة للقرآن يدرسه والمرء عند الرّشا إن يلقها ذيب أي والمرء ذئب إن يلق الرّشا‏.‏

قال الأصمعيّ‏:‏ هو قديم أنشدينه أبو عمرو‏.‏

وقال ذو الرمّة‏:‏ أي ناظر متى أشرف‏.‏

فجاز هذا في الشعر وشبّهوه بالجزاء إذا كان جوابه منجزماً لأنّ المعنى واحد كما شبّه الله يشكرها وظالم بإذا هم يقنطون جعله بمنزلة يظلم ويشكرها الله كما كان هذا بمنزلة قنطوا وكما قالوا في اضطرار‏:‏ إن تأتني أنا صاحبك يريد معنى الفاء فشبّهه ببعض ما يجوز في الكلام حذفه وأنت تعنيه‏.‏

وقد يقال‏:‏ إن أتيتني آتك وإن لم تأتني أجزك لأنّ هذا في موضع الفعل المجزوم وكأنه قال‏:‏ إن تفعل أفعل‏.‏

ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوفّ إليهم أعمالهم فيها ‏"‏ فكان فعل‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏ دسّت رسولاً بأنّ القوم إن قدروا عليك يشفوا صدوراً ذات توغير وقال الأسود بن يعفر‏:‏ ألا هل لهذا الدّهر من متعلّل عن النّاس مهما شاء بالناس يفعل وقال‏:‏ إن تأتني فأكرمك أي فأنا أكرمك فلا بدّ من رفع فأكرمك إذا سكتّ عليه لأنّه جواب وإنّما ارتفع لأنه مبنيّ على مبتدإ‏.‏

ومثل ذلك قوله عزّ وجلّ ‏"‏ ومن عاد فينتقم الله منه ‏"‏ ومثله‏:‏ ‏"‏ ومن كفر فأمتعه قليلاً ‏"‏ ومثله‏:‏

  باب الأسماء التي يجازي بها وتكون بمنزلة الّذي

وتلك الأسماء‏:‏ من وما وأيّهم‏.‏

فإذا جعلتها بمنزلة الّذي قلت‏:‏ ما تقول أقول فيصير تقول صلة لما حتّى تكمل اسماً فكأنّك قلت‏:‏ الذي تقول أقول‏.‏

وكذلك‏:‏ من يأتني آتيه وأيّها تشاء أعطيك‏.‏

وقال الفرزدق‏:‏ ومن يميل أمال السّيف ذروته حيث التقى من حفا في رأسه الشّعر وتقول‏:‏ آتي من يأتيني وأقول ما تقول وأعطيك أيّها تشاء‏.‏

هذا وجه الكلام وأحسنه وذلك أنه قبيح أن تؤخّر حرف الجزاء إذا جزم ما بعده فلّما قبح ذلك حملوه على الذّي ولو جزموه هاهنا لحسن أن تقول‏:‏ آتيك إن تأتني‏.‏

فإذا قلت‏:‏ آتي من أتاني فأنت بالخيار إن شئت كانت أتاني صلة وإن شئت كانت بمنزلتها في إن‏.‏

وقد يجوز في الشعر‏:‏ آتي من يأتني وقال الهذليّ‏:‏ فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها مطبّعة من يأتها لا يضيرها هكذا أنشدناه يونس كأنه قال‏:‏ لا يضيرها من يأتها كما كان‏:‏ وإنّي متى أشرف ناظر على القلب ولو أريد به حذف الفاء جاز فجعلت كإن‏.‏

وإن قلت‏:‏ أقول مهما تقل وأكون حيثما تكن وأكون أين تكن وآتيك متى تأتني وتلتبس بها أنّى تأتها لم يجز إلاّ في الشعر وكان جزماً‏.‏

وإنما كان من قبل أنّهم لم يجعلوا هذه الحروف بمنزلة ما يكون محتاجاً إلى الصلة حتّى يكمل اسماً‏.‏

ألا ترى أنه لا تقول مهما تصنع قبيح ولا في الكتاب مهما تقول إذا أراد أن يجعل القول وصلاً‏.‏

فهذه الحروف بمنزلة إن لا يكون الفعل صلة لها‏.‏

فعلى هذا فأجر ذا الباب‏.‏

  باب ما تكون فيه الأسماء التي يجازى بها بمنزلة الّذي

وذلك قولك‏:‏ إنّ من يأتيني آتيه وكان من يأتيني آتيه وليس من يأتيني آتيه‏.‏

وإنّما أذهبت الجزاء من هاهنا لأنّك أعملت كان وإنّ ولم يسغ لك أن تدع كان وأشباهه معلّقة لا تعملها في شئ فلّما أعملتهنّ ذهب الجزاء ولم يكن من مواضعه‏.‏

ألا ترى أنك لو جئت بإن ومتى تريد إنّ إن وإنّ متى كان محالاً‏.‏

فهذا دليل على أنّ الجزاء لا ينبغي له أن يكون هاهنا بمن وما وأيّ‏.‏

فإن شغلت هذه الحروف بشيء جازيت‏.‏

فمن ذلك قولك‏:‏ إنّه من يأتنا نأته وقال جلّ وعزّ‏:‏ ‏"‏ إنّه من يأت ربّه مجرماً فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيا ‏"‏ وكنت من يأتني آته‏.‏

وتقول‏:‏ كان من يأته يعطه وليس من يأته يحببه إذا أضمرت الاسم في كان أو في ليس لأنّه حينئذ بمنزلة لست وكنت‏.‏

فإن لم تضمر فالكلام على ما وصفنا‏.‏

وقد جاء في الشعر إنّ من يأتني آته‏.‏

قال الأعشى‏:‏ إنّ من لام في بني بنت حسّا - ن ألمه وأعصه في الخطوب وقال أميّة بن أبي الصّلت‏:‏ ولكنّ من لا يلق أمراً ينوبه بعدّته ينزل به وهو أعزل فزعم الخليل أنّه إنما جازى حيث أضمر الهاء وأراد إنّه ولكنّه كما قال الراعي‏:‏ فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة وإن كان سرح قد مضى فتسرّعا أراد‏:‏ فلو أنّه حقّ اليوم‏.‏

ولو لم يرد الهاء كان الكلام محالا‏.‏

وتقول‏:‏ قد علمت أن من يأتني آته من قبل أنّ أنّ هاهنا فيها إضمار الهاء ولا تجئ مخفّفة هاهنا إلاّ على ذلك كما قال وهو عديّ بن زيد‏:‏ أكاشره وأعلم أن كلانا على ما ساء صاحبه حريص ولا يجوز أن تنوي في كان وأشباه كان علامة إضمار المخاطب ولا تذكرها‏.‏

لو قلت‏:‏ ليس من يأتك تعطه تريد لست لم يجز‏.‏

ولو جاز ذلك لقلت كان من يأتك تعطه تريد به كنت‏.‏

وقال الشاعر الأعشى‏:‏

في فتية كسيوف الهند قد علموا ** أن هالك كلّ من يحفى وينتعل

فهذا يريد معنى الهاء‏.‏

ولا تخفّف أن إلاّ عليه كما قال‏:‏ قد علمت أن لا يقول ذاك أي أنّه لا يقول‏.‏

وقال عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولاً ‏"‏‏.‏

وليس هذا بقويّ في الكلام كقوّة أن لا يقول لأنّ لا عوض من ذهاب العلامة‏.‏

ألا ترى أنّهم لا يكادون يتكلّمون به بغد الهاء فيقولون‏:‏ قد علمت أن عبد الله منطلق‏.‏

  باب يذهب فيه الجزاء من الأسماء كما ذهب في إنّ وكان وأشباههما

غير أنّ إنّ وكان عوامل فيما بعدهنّ والحروف في هذا الباب لا يحدثن فيما بعدهنّ من الأسماء شيئاً كما أحدثت إنّ وكان وأشباههما لأنّها من الحروف التي تدخل على المبتدإ والمبنيّ عليه فلا تغيّر الكلام عن حاله وسأبيّن لك كيف ذهب الجزاء فيهن إن شاء الله‏.‏

وإنّما كرهوا الجزاء هاهنا لأنه ليس من مواضعه‏.‏

ألا ترى أنه لا يحسن أن تقول‏:‏ أتذكر إذ إن تأتنا نأتك كما لم يجز أن تقول‏:‏ إنّ إن تأتنا نأتك فلمّا ضارع هذا الباب باب إنّ وكان كرهوا الجزاء فيه‏.‏

وقد يجوز في الشعر أن يجازى بعد هذه الحروف فتقول‏:‏ أتذكر إذ من يأتنا نأته‏.‏

فإنما أجازوه لأن إذ وهذه الحروف لا تغيّر ما دخلت عليه عن حاله قبل أن تجئ بها فقالوا‏:‏ ندخلها على من يأتنا نأته ولا تغيّر الكلام كأنّا قلنا من يأتنا نأته كما أنّا إذا قلنا إذ عبد الله منطلق فكأنّا قلنا‏:‏ عبد الله منطلق لأنّ إذ لم تحدث شيئاً لم يكن قبل أن تذكرها‏.‏

وقال لبيد‏:‏ على حين من تلبث عليه ذنوبه يرث شربه إذ في المقام تدابر ولو اضطرّ شاعر فقال‏:‏ أتذكر إذ إن تأتنا نأتك جاز له كما جاز في من‏.‏

وتقول‏:‏ أتذكر إذ نحن من يأتنا نأته فنحن فصلت بين إذ ومن كما فصل الاسم في كان بين كان ومن‏.‏

وتقول‏:‏ مررت به فإذا من يأتيه يعطيه‏.‏

وإن شئت جزمت لأنّ الإضمار يحسن هاهنا‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ مررت به فإذا أجمل الناس ومررت به فإذا أيّما رجل‏.‏

فإذا أردت الإضمار فكأنك قلت‏:‏ فإذا هو من يأته يعطه‏.‏

فإذا لم تضمر وجعلت إذا هي لمن فهي بمنزلة إذ لا يجوز فيها الجزم‏.‏

وتقول‏:‏ لا من يأتك تعطه ولا من يعطك تأته من قبل أنّ لا ليست كإذ وأشباهها وذلك لأنّها لغو بمنزلة ما في قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ فبما رحمة من الله لنت لهم ‏"‏ فما بعده كشيء ليس قبله لا‏.‏

ألا تراها تدخل على المجرور فلا تغيّره عن حاله تقول‏:‏ مررت برجل لا قائم ولا قاعد‏.‏

وتدخل على النصب فلا تغيّره عن حاله تقول‏:‏ لا مرحباً ولا أهلاً فلا تغيّر الشيء عن حاله التي كان عليها قبل أن تنفيه ولا تنفيه مغيّراً عن حاله يعني في الإعراب التي كان عليها فصار ما بعدها معها بمنزلة حرف واحد ليست فيه لا وإذ وأشباهها لا يقعن هذه المواقع ولا يكون الكلام بعدهن إلاّ مبتدأ‏.‏

وقال ابن مقبل‏:‏ وقدر ككفّ القرد لا مستعيرها يعار ولا من يأتها يتدسّم ووقوع إن بعد لا يقوّي الجزاء فيما بعد لا‏.‏

وذلك قول الرجل‏:‏ لا إن أتيناك أعطيتنا ولا إن قعدنا عندك عرضت علينا ولا لغو في كلامهم‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ خفت أن لا تقول ذاك وتجري مجرى خفت أن تقول‏.‏

وتقول‏:‏ إن لا يقل أقل فلا لغو وإذ وأشباهها ليست هكذا إنّما يصرفن الكلام أبداً إلى الابتداء‏.‏

وتقول‏:‏ ما أنا ببخيل ولكن إن تأتني أعطك جاز هذا وحسن لأنّك قد تضمرها هنا كما تضمر في إذا‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ ما رأيتك عاقلاً ولكن أحمق‏.‏

وإن لم تضمر تركت الجزاء كما فعلت ذلك في إذا‏.‏

قال طرفة‏:‏ ولست بحلاّل التلاّع مخافةً ولكن متى يسترفد القوم أرفد كأنه قال‏:‏ أنا‏.‏

ولا يجوز في متى أن يكون الفعل وصلاً لها كما جاز في من والّذي‏.‏

وسمعناهم ينشدون قول العجير السّلوليّ‏:‏ وما ذاك أن كان ابن عميّ ولا أخي ولكن متى ما أملك الضرّ أنفع والقوافي مرفوعة كأنه قال‏:‏ ولكن أنفع متى ما أملك الضرّ ويكون أملك على متى في موضع جزاء وما لغو ولم يجد سبيلاً إلى أن يكون بمنزلة من فتوصل ولكنها كمهما‏.‏

وأمّا قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ وأمّا إن كان من أصحاب اليمين‏.‏

فسلام لك من أصحاب اليمين ‏"‏ فإنّما هو كقولك‏:‏ أمّا غداً فلك ذاك‏.‏

وحسنت إن كان لأنه لم يجزم بها كما حسنت في قوله‏:‏ أنت ظالم إن فعلت‏.‏

  باب إذا ألزمت فيه الأسماء التي تجازى بها حروف الجرّ

لم تغيّرها عن الجزاء هذا قول يونس والخليل جميعاً‏.‏

فحروف الجرّ لم تغيّرها عن حال الجزاء كما لم تغيّرها عن حال الاستفهام‏.‏

ألا ترى أنّك تقول‏:‏ بمن تمرّ وعلى أيّها أركب فلو غيّرتها عن الجزاء غيّرتها عن الاستفهام‏.‏

وقال ابن همّام السّلوليّ‏:‏ لّما تمكّن دنياهم أطاعهم في أيّ نحو يميلوا دينه يمل وذاك لأنّ الفعل إنّما يصل إلى الاسم بالباء ونحوها فالفعل مع الباء بمنزلة فعل ليس قبله حرف جرّ ولا بعده فصار الفعل الذي يصل بإضافة كالفعل الذي لا يصل بإضافة لأنّ الفعل يصل بالجرّ إلى الاسم كما يصل غيره ناصباً أو رافعاً‏.‏

فالجرّ هاهنا نظير النصب والرفع في غيره‏.‏

فإن قلت‏:‏ بمن تمرّ به أمرّ وعلى أيّهم تنزل عليه أنزل وبما تأتيني به آتيك رفعت لأنّ الفعل إنّما أوصلته إلى الهاء بالباء الثانية والباء الأولى للفعل الآخر فتغيّر عن حال الجزاء كما تغيّر عن حال الاستفهام فصارت بمنزلة الّذي لأنّك أدخلت الباء للفعل حين أوصلت الفعل الذي يلي الاسم بالباء الثانية إلى الهاء فصارت الأولى ككان وإنّ - يقول‏:‏ لا يجازى بما بعدها - وعملت الباء فيما بعدها عمل كان وإنّ فيما بعدهما‏.‏

وقد يجوز أن تقول‏:‏ بمن تمرر أمره وعلى من تنزل أنزل إذا أردت معنى عليه وبه وليس بحدّ إنّ الكريم وأبيك يعتمل إن لم يجد يوماً على من يتكل يريد‏:‏ يتكل عليه ولكنه حذف‏.‏

وهذا قول الخليل‏.‏

وتقول‏:‏ غلام من تضرب أضربه لأنَّ ما يضاف إلى من بمنزلة من‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ أبوأيهم رأيته كما تقول‏:‏ أيهم رأيته‏.‏

وتقول‏:‏ بغلام من تؤخذ أو خذ به كأنك قلت‏:‏ بمن تؤخذ أؤخذ به‏.‏

وحسن الاستفهام ها هنا يقوِّي الجزاء تقول‏:‏ غلام من تضرب وبغلام من مررت‏.‏

ألا ترى أنّ كينونة الفعل غير وصل ثابتة‏.‏

وتقول‏:‏ بمن تمرر أمرر به وبمن تؤخذ أوخذ به‏.‏

فحدُّ الكلام أن تثبت الباء في الآخر لأنه فعل لا يصل إلا بحرف الإضافة‏.‏

يدلّك على ذلك أنك لو قلت‏:‏ من تضرب أنزل لم يجز حتى تقول عليه إلا في شعر‏.‏

فإن قلت‏:‏ بمن تمرر أمرر أو بمن تؤخذ أوخذ فهو أمثل وليس بحد الكلام‏.‏

وإنما كان في هذا أمثل لأنه قد ذكر الباء في الفعل الأول فعلم أنّ الآخر مثله لأنه ذلك الفعل‏.‏

  باب الجزاء إذا أدخلت فيه ألف الاستفهام

وذلك قولك‏:‏ أإن تأتني آتك‏.‏

ولا تكتفي بمن لأنها حرف جزاء ومتى مثلها فمن ثمًّ أدخل عليه الألف تقول‏:‏ أمتى تشتمني أشتمك وأمن يفعل ذاك أزره وذلك لأنك أدخلت الألف على كلام قد عملَ بعضه في بعض فلم يغيَّره وإنما الألف بمنزلة الواو والفاء ولا ونحو ذلك لا تغيَّر الكلام عن حاله وليست كإذ وهل وأشباههما‏.‏

ألا ترى أنها تدخل على المجرور والمنصوب والمرفوع فتدعه على حاله ولا تغيّره عن لفظ المستفهم‏.‏

ألا ترى أنه يقول‏:‏ مررت بزيدٍ فتقول‏:‏ أزيد إن شئت قلت أزيدنيه وكذلك تقول في النصب والرفع وإن شئت أدخلتها على كلام المخبر ولم تحذف منه شيئاً وذلك إذا قال‏:‏ مررت بزيدٍ قلت‏:‏ أمررت بزيد‏.‏

ولا يجوز ذلك في هل وأخواتها‏.‏

ولو قلت‏:‏ هل مررت بزيدٍ كنت مستأنفاً‏.‏

ألا ترى أنَّ الألف لغو‏.‏

فإن قيل‏:‏ فإن الألف لا بدَّ لها من أن تكون معتمدة على شيء فإنَّ هذا الكلام معتمد لها كما تكون صلةً للذي إذا قلت‏:‏ الذي إن تأته يأتك زيد‏.‏

فهذا كلُّه وصلٌ‏.‏

فإن قال‏:‏ الذي إن تأته يأتيك زيدٌ وأجعل يأيتكَ صلةَ الَّذي لم يجد بدَّاً من أن يقول‏:‏ أنا إن تأتني آتيك لأنَّ أنا لا يكون كلاماً حتى يبنى عليه وأمَّا يونس فيقول‏:‏ أإن تأتني آتيك‏.‏

وهذا قبيح يكره في الجزاء وإن كان في الاستفهام‏.‏

وقال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ أفإن متَّ فهم الخالدون‏.‏

‏"‏ ولو كان ليس موضعَ جزاء قبح فيه إن كما يقبح أن تقول‏:‏ أتذكر إذ إن تأتني آتيك‏.‏

فلو قلت‏:‏ إن أتيتني آتيك على القلب كان حسناً‏.‏

  باب الجزاء إذا كان القسم في أوَّله

وذلك قولك‏:‏ والَّله إن أتيتني لا أفعل لا يكون إلا معتمدةً عليه اليمين‏.‏

ألا ترى أنَّك لو قلت‏:‏ والله إن تأتني آتك لم يجز ولو قلت والَّله من يأتني آته كان محالاً واليمين لا تكون لغواً كلا والألف لأن اليمين لآخر الكلام وما بينهما لا يمنع الآخر أن يكون على اليمين وإذا قلت آإن تأتني آتك فكأنك لم تذكر الألف واليمين ليست هكذا في كلامهم‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ زيدٌ منطلقٌ فلو أدخلت اليمن غيَّرت الكلام‏.‏

وتقول‏:‏ أنا والَّله إن تأتني لا آتك لأن هذا الكلام مبني على أنا ألا ترى أنه حسن أن تقول‏:‏ أتا والله إن تأتني آتك فالقسم ها هنا لغوٌ‏.‏

فإذا بدأت بالقسم لم يجز إلا أن يكون عليه‏.‏

ألا ترى أنك تقول‏:‏ لئن أتيتني لا أفعل ذاك لأنها لام قسمٍ‏.‏

ولا يحسن في الكلام لئن تأتني لا أفعل لأنَّ الآخر لا يكون جزماً‏.‏

وتقول‏:‏ والَّله إن أتيتني آتيك وهو معنى لا آتيك وهو معنى لا آتيك‏.‏

فإن أردت أن الإتيان وأنتم لهذا الناس كالقبلة التي بها أن يضلَّ الناس يهدى ضلالها فلا يكون الآخر إلا رفعاً لأنَّ أن لا يجازى بها وإنما هي مع الفعل اسم فكأنه قال‏:‏ لأن يضلَّ الناس يهدى‏.‏

وهكذا أنشده الفرزدق‏.‏

  باب ما يرتفع بين الجزمين وينجزم بينهما

فأمَّا ما يرتفع بينهما فقولك‏:‏ إن تأتني تسألني أعطك وإن تأتني تمش أمش معك‏.‏

وذلك لأنك أردت أن تقول إن تأتني سائلاً يكن ذلك وإن تأتني ماشياً فعلت‏.‏

وقال زهير‏:‏ ومن لا يزل يستحمل النَّاس نفسه ولا يغنها يوماً من الدهر يسأم إنما أراد‏:‏ من لا يزل مستحملاً يكن من أمره ذاك‏.‏

ولو رفع يغنها جاز وكان حسناً كأنَّه قال‏:‏ من لا يزل لا يغنى نفسه‏.‏

ومما جاء أيضاً مرتفعاً قول الحطيئة‏:‏ متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نارٍ عندها خير موقد وسألت الخليل عن قوله‏:‏ متى تأتنا بلمم بنا في ديارنا تجد حطباً جزلاً وناراً تأججا قال‏:‏ تلمم بدل من الفعل الأول‏.‏

ونظيره في الأسماء‏:‏ مررت برجلٍ عبد الَّله فأراد أن يفسر الإتيان بالإلمام كما فسَّر الاسم الأوَّل بالاسم الآخر‏.‏

ومثل ذلك أيضاً قوله أنشدنيهما الأصمعيّ عن أبي عمرو لبعض بني أسد‏:‏ إن يبخلوا أو يجبنوا أو يغدروا لا يحفلوا يغدوا عليك مرجَّلين كأنهم لم يفعلو فقوله يغدوا‏:‏ بدل من لا يحفلوا وغدوهم مرجَّلين يفسِّر أنَّهم لم يحفلوا‏.‏

وسألته‏:‏ هل يكون إن تأتنا تسألنا نعطك فقال‏:‏ هذا يجوز على غير أن يكون مثل الأول لأنَّ الأوّل الفعل الآخر تفسير له وهو هو والسُّوال لا يكون الإتيان ولكنَّه يجوز على الغلط والنَّسيان ثم يتدارك كلامه‏.‏

ونظير ذلك في الأسماء‏:‏ مررت برجلٍ حمارٍ كأنه نسي ثم تدارك كلامه‏.‏

وسألته عن قوله جلَّ وعزَّ‏:‏ ‏"‏ ومن يفعل ذلك يلق أثاماً‏.‏

يضاعف له العذاب يوم القيامة ‏"‏ فقال‏:‏ هذا كالأوّل لأن مضاعفة العذاب هو لقيٌّ الآثام‏.‏

ومثل ذلك من الكلام‏:‏ إن تأتنا بحسن إليك نعطك ونحميك تفسر الإحسان بشيء هو هو وتجعل الآخر بدلاً من الأول‏.‏

فإن قلت‏:‏ إن تأتني آتك أقل ذاك كان غير جائز لأنَّ القول ليس بالإتيان إلا أن تجيزه على ما جاز عليه تسألنا وأمَّا ما ينجزم بين المجزومين فقولك‏:‏ إن تأتني ثمَّ تسألني أعطك وإن تأتني فتسألني أعطك وإن تأتنيي وتسألني أعطك‏.‏

وذلك لأنَّ هذه الحروف يشركن الآخر فيما دخل فيه الأول‏.‏

وكذلك أو وما أشبههنَّ‏.‏

ولا يجوز في ذا الفعل الرفع‏.‏

وإنَّما كان الرفع في قوله متى تأته تعشو لأنَّه في موضع عاش كأنه قال‏:‏ متى تأته عاشياً‏.‏

ولو قلت متى تأته وعاشياً كان محالاً‏.‏

فإنَّما أمرهن أن يشركن بين الأوّل والآخر‏.‏

وسألت الخليل عن قوله‏:‏ إن تأتني فتحدثني أحدثك وإن تأتني وتحدثني أحدِّثك فقال‏:‏ هذا يجوز والجزم الوجه‏.‏

ووجه نصبه على أنه حمل الآخر على الاسم كأنه أراد إن يكن إتيان فحديث أحدِّثك فلمَّا قبح أن يرد الفعل على الاسم نوى أن لأن الفعل معها اسم‏.‏

وإنما كان الجزم الوجه لأنه إذا نصب كان المعنى معنى الجزم فيما أراد من الحديث فلمّا كان ذلك كان أن يحمل على الذي عمل فيما يليه أولى وكرهوا أن يتخطَّوا به من بابه إلى آخر إذا وسألته عن قول ابن زهير‏:‏ ومن لا يقدِّم رجله مطمئنة فيثبتها في مستوى الأرض يزلق فقال‏:‏ النصب في هذا جيِّد لأنه أرادها هنا من المعنى ما أراد في قوله‏:‏ لا تأتينا إلا لم تحدِّثنا فكأنه قال‏:‏ من لا يقدَّم إلا لم يثبت زلق‏.‏

ولا يكون أبداً إذا قلت‏:‏ إن تأتني فأحدثك الفعل الآخر الا رفعا وإنَّما منعه أن يكون مثل ما انتصب بين المجزومين أنّ هذا منقطع من الأوّل شريك له وإذا قلت إن يكن إتيان فحديثٌ أحدثك فالحديث متصل بالأول ألا ترى أنَّك إذا قلت‏:‏ إن يكن إتيانٌ فحديث ثمّ سكتَّ وجعلته جواباً لم يشرك الأول وكان مرتفعاً بالابتداء‏.‏

وتقول‏:‏ إن تأتني لآتك فأُحدثك‏.‏

هذا الوجه وإن شئت ابتدأتَ‏.‏

وكذلك الواو وثمَّ وإن شئت نصبت بالواو والفاء كما نصبت ما كان بين المجزومين‏.‏

واعلم أنّ ثمَّ لا ينصب بها كما ينصب بالواو والفاء ولم يجعلوها مما يضمر بعده أن وليس يدخلها من المعاني ما يدخل في الفاء وليس معناها معنى الواو ولكنها تشرك ويبتدأ بها‏.‏

واعلم أنّ ثمَّ إذا أدخلته على الفعل الذي بين المجزومين لم يكن إلَّا جزماً لأَّنه ليس مما ينصب‏.‏

وليس يحسن الابتداء لأنَّ ما قبله لم ينقطع‏.‏

وكذلك الفاء والواو وأو إذا لم ترد بهن النصب فإذا انقضى الكلام ثم جئت بثمَّ فإن شئت جزمت وإن شئت رفعت‏.‏

وكذلك الواو والفاء‏.‏

قال الَّله تعالى‏:‏ ‏"‏ وإن يقاتلوكم يولّوكم الأدبار ثمَّ لا ينصرون ‏"‏ وقال تبارك وتعالى‏:‏ ‏"‏ وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثمَّ لا يكونوا أمثالكم ‏"‏ إِّلا أنَّه قد يجوز النصب بالفاء والواو‏.‏

وبلغنا أنَّ بعضهم قرأ‏:‏ ‏"‏ يحاسبكم به الَّله فيغفر لمن يشاء ويعذِّب من يشاء ‏"‏ والَّله على كل شيء قدير ‏"‏ وتقول‏:‏ إن تأتني فهو خير لك وأكرمك وإن تأتني فأنا لآتيك وأحسن إليك‏.‏

وقال عزَّ وجلَّ‏:‏ ‏"‏ وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خيرٌ لكم ونكفر عنكم من سيئاتكم ‏"‏‏.‏

والرفع ههنا وجه الكلام وهو الجيِّد لأنَّ الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء فجرى الفعل هنا كما كان يجري في غير الجزاء‏.‏

وقد بلغنا أنَّ بعض القرَّاء قرأ‏:‏ ‏"‏ من يضلل الَّله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون ‏"‏ وذلك لأنَّه حمل الفعل على موضع الكلام لأنَّ هذا الكلام في موضع يكون جواباً لأنّ أصل الجزاء الفعل وفيه تعمل حروف الجزاء ولكنَّهم قد يضعون في موضع الجزاء غيره‏.‏

ومثل الجزم ههنا النصب في قوله‏:‏ فلسنا بالجبال ولا الحديدا وتقول‏:‏ إن تأتني فلن أوذيك وأستقبلك بالجميل فالرفع ههنا الوجه إذا لم يكن محمولاً على لن كما قال الرفع الوجه في قوله فهو خير لك وأكرمك ومثل ذلك إن أتيتني لم آتك وأحسن إليك فالرفع الوجه إذا لم تحمله على لم كما كان ذلك في لن‏.‏

وأحسن ذلك أن تقول‏:‏ إن تأتني لا آتك كما أن أحسن الكلام أن تقول‏:‏ إن أتيتني لم آتك‏.‏

وذلك أنّ لم أفعل نفي فعل وهو مجزوم بلم ولا أفعل نفي أفعل وهو مجزوم بالجزاء‏.‏

فإذا قلت‏:‏ إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل وهو مجزوم بالجزاء‏.‏

فإذا قلت‏:‏ إن تفعل فأحسن الكلام أن يكون الجواب أفعل لأنه نظيره من الفعل‏.‏

وإذا قال إن فعلت فأحسن الكلام أن تقول‏:‏ فعلت لأنَّه مثله‏.‏

فكما ضعف فعلت مع أفعل وأفعل مع فعلت قبح لم أفعل مع يفعل لأن لم أفعل نفي فعلت‏.‏

وقبح لا أفعل مع فعل لأنها نفي أفعل‏.‏

واعلم أنَّ النصب بالفاء والواو في قوله‏:‏ إن تأتني لآتك وأعطيك ضعيف وهو نحومن قوله‏:‏ وألحق بالحجاز فأستريحا فهذا يجوز وليس بحد الكلام ولا وجهه إلَّا أنَّه في الجزاء صار أقوى قليلاً لأنّه ليس بواجب أنّه يفعل إلّا أن يكون من الأول فعلٌ فلمَّا ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه وإن كان معناه كمعنى ما قبله إذا قال وأعطيك‏.‏

وإنَّما هو في المعنى كقوله ومن يغترب عن قومه لا يزل يرى مصرع مظلومٍ مجراً ومسحبا وتدفن منه الصالحات وإن يسىء يكن ما أساء النار في رأس كبكبا

  باب من الجزاء ينجزم فيه الفعل

إذا كان جواباً لأمرٍ أو نهي أو استفهام أو تمنِّ أو عرض فأما ما انجزم بالأمر فقولك‏:‏ ائتني آتك‏.‏

وأما ما انجزم بالنهي فقولك‏:‏ لا تفعل يكن خيراً لك‏.‏

وأمّا ما انجزم بالاستفهام فقولك‏:‏ ألا تأتيني أحدثِّك وأين تكون أزرك وأمّا ما انجزم بالتّمني فقولك‏:‏ ألا ماءَ أشربه وليته عندنا يحدَّثنا‏.‏

وأمَّا ما انجزم بالعرض فقولك‏:‏ ألا تنزل تصب خيراً‏.‏

وإنَّما انجزم هذا الجواب كما انجزم جواب إن تأتني بإن تأتني لأنَّهم جعلوه معلَّقاً بالأوّل عير مستغنٍ عنه إذا أرادوا الجزاء كما أنَّ إن تأتني عير مستغنية عن آتك‏.‏

وزعم الخليل‏:‏ أنَّ هذه الأوائل كلَّها فيها معنى إن فلذلك انجزم الجواب لأنه إذا قال ائتني آتك فإنّ معنى كلامه إن يكن منك إتيان آتك وإذا قال‏:‏ أين بيتك أزرك فكأنّه قال إن أعلم مكان بيتك أزرك لأنّ قوله أين بيتك يريد به‏:‏ أعلمني‏.‏

وإذا قال ليته عندنا يحدثنا فإنّ معنى هذا الكلام إن يكن عندنا يحدَّثنا وهو يريد ههنا إذا تمنَّى ما أراد في الأمر‏.‏

وإذا قال لو نزلت فكأنَّه قال انزل‏.‏

ومما جاء من هذا الباب في القرآن وغيره قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ هل أدلُّكم على تجارةٍ تنجيكم من عذابِ أليم‏.‏

تؤمنون بالَّله ورسوله وتجاهدون في سبيل الَّله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون ‏"‏ فلمَّا انقضت الآية قال‏:‏ ‏"‏ يغفر لكم ‏"‏‏.‏

ومن ذلك أيضاً‏:‏ أتينا أمس نعطيك اليوم أي إن كنت أتيتنا أمس أعطيناك اليوم‏.‏

هذا معناه فإن كنت تريد أن تقررِّه بأنه قد فعل فإنَّ الجزاء لا يكون لأنَّ الجزاء إنَّما يكون في غير الواجب‏.‏

ومما جاء أيضاً منجزماً بالاستفهام قوله وهو رجل من بني تغلب جابر ابن حنى‏:‏ ألا تنتهي عنَّا ملوك وتتقى محارمنا لا يبؤ الدَّم بالدَّم وقال الراجز‏:‏ متى أنام لا يؤرقني الكرى ليلاً ولا أسمع أجراس المطى كأنّه قال‏:‏ إ يكن منِّى نومٌ في غير هذه الحال لا يؤرقني الكرىُّ كأنَّه لم يعَّد نومه في هذه الحال نوماً‏.‏

وتقول‏:‏ ائتني آتك فتجزم على ما وصفنا وإن شئت رفعت على أن لا تجعله معلقاً بالأوَّل ولكنَّك تبتدئه وتجعل الأوّل مستغنياً عنه كأنَّه يقول‏:‏ ائتني أنا آتيك‏.‏

ومثل ذلك قول الشاعر وهو الأخطل‏:‏ وقال رائدهم أرسوا نزاولها فكل حتف أمريءٍ يمضي لمقدار وقال الأنصاري‏:‏ يا مال والحق عنده فقفوا تؤتون فيه الوفاء معترفا كأنّه قال‏:‏ إنكم تؤتون فيه الوفاء معترفاً‏.‏

وقال معروف‏:‏ كونوا كمن واسى أخاه بنفسه نعيش جميعاً أو نموت كلانا كأنه قال‏:‏ كونوا هكذا إنّا نعيش جميعاً أو نموت كلانا إن كان هذا أمرنا‏.‏

وزعم الخليل‏:‏ أنَّه يجوز أن يكون نعيش محمولاً على كونوا كأنه قال‏:‏ كونوا نعيش جميعاً أو نموت كلانا‏.‏

وتقول‏:‏ لا تدن منه يكن خيراً لك‏.‏

فإن قلت‏:‏ لا تدن من الأسديا كلك فهو قبيح إن جزمت وليس وجه كلام الناس لأنَّك لا تريد أن تجعل تباعده من الأسد سبباً لأكله‏.‏

وإن رفعت فالكلام حسن كأنك قلت‏:‏ لا تدن منه فإنَّه يأكلك‏.‏

وإن أدخلت الفاء فهو حسن وذلك وليس كلُّ موضع تدخل فيه الفاء يحسن فيه الجزاء‏.‏

ألا ترى أنه يقول‏:‏ ما أتيتنا فتحثنا والجزاء ههنا محال‏.‏

وإنما قبح الجزم في هذا لأنه لا يجيء فيه المعنى الذي يجيء إذا أدخلت الفاء‏.‏

وسمعنا عربياً موثوقاً بعربيته يقول‏:‏ لا تذهب به تغلب عليه فهذا كقوله‏:‏ لا تدن من الأسد يأكلك‏.‏

وتقول‏:‏ ذره يقل ذاك وذره يقول ذاك فالرفع من وجهين‏:‏ فأحدهما الإبتداء والآخر على قولك‏:‏ ذره قائلاً ذاك فتجعل يقول في موضع قائل‏.‏

فمثل الجزم قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل ‏"‏ ومثل الرفع قوله تعالى جدٌّه‏:‏ ‏"‏ ذرهم في خوضهم يلعبون ‏"‏‏.‏

وتقول‏:‏ ائتني تمشي أي ائتني ماشياً وإن شاء جزمه على أنه إن أتاه مشي فيما يستقبل فيما يستقبل‏.‏

وإن شاء رفعه على الإبتداء‏.‏

وقال عز وجل‏:‏ ‏"‏ فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى ‏"‏‏.‏

فالرفع على وجهين‏:‏ على الإبتداء وعلى قوله‏:‏ اضربه غير خائفٍ ولا خاشٍ‏.‏

وتقول‏:‏ قم يدعوك لأنك لم ترد أن تجعله دعاءً بعد قيامه ويكون القيام سبباً له ولكنَّك أردت‏:‏ قم إنّه يدعوك‏.‏

وإن أردت ذلك المعنى جزمت‏.‏

كرُّوا إلى حرَّيتكم تعمرونهما كما تكرُّ إلى أوطانها البقر فعلى قوله‏:‏ كرُّوا عامرين‏.‏

وإن شئت رفعت على الابتداء‏.‏

وتقول‏:‏ مره يحفرها وقل له يقل ذاك‏.‏

وقال الَّله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصّلاة وينفقوا ممَّا رزقناهم ‏"‏‏.‏

ولو قلت مره يحفرها على الابتداء كان جيَّداً‏.‏

وقد جاء رفعه على شيء هو قليل في الكلام على مره أن يحفرها فإذا لم يذكروا أن جعلوا المعنى بمنزلته في عسينا نفعل‏.‏

وهو في الكلام قليل لا يكادون يتكلمون به فإذا تكلموا به فالفعل كأنه في موضع اسم منصوب كأنه قال‏:‏ عسى زيد قائلاً ثم وضع يقول في موضعه‏.‏

وقد جاء في الشعر قال طرفة بن العبد‏:‏ ألا أبهذا الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد الَّلذات هل أنت مخلدي وسألته عن قوله عزّ وجل‏:‏ ‏"‏ قل أفغير الَّله تأمروني أعبد أيُّها الجاهلون ‏"‏ فقال‏:‏ تأمرونِّي كقولك‏:‏ هو يقول ذاك بلغني فبلغني لغو فكذلك تأمرونِّي كأنه قال‏:‏ فيما تأمرونِّي كأنّه‏.‏

قال فيما بلغني‏.‏

وإن شئت كان بمنزلة‏:‏ ألا أيُّهذا الزاجري أحضر الوغى

  باب الحروف التي تنزل بمنزلة الأمر والنهي

لأنّ فيها معنى الأمر والنهي فمن تلك الحروف‏:‏ حسبك وكفيك وشرعك وأشباهها‏.‏

تقول‏:‏ حسبك ينم الناس‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ‏"‏ اتّقي الَّله امرؤ وفعل خيراً يثب عليه ‏"‏ لأنّ فيه معنى ليتَّق الَّله امرؤ وليفعل خيراً‏.‏

وكذلك ما أشبه هذا‏.‏

وسألت الخليل عن قوله عزّ وجلّ‏:‏ ‏"‏ فأصَّدق وأكن من الصالحين ‏"‏ فقال‏:‏ هذا كقول زهير‏:‏ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى ولا سابق شيئاً إذا كان جائيا فإنَّما جرّوا هذا لأنَّ الأوّل قد يدخله الباء فجاءوا بالثاني وكأنَّهم قد أثبتوا في الأول الباء فكذلك هذا لما كان الفعل الذي قبله قد يكون جزماً ولا فاء فيه تكلّموا بالثاني وكأنهم قد جزموا قبله فعلى هذا توهمّوا هذا‏.‏

وأما قول عمرو بن عمّار الطائيّ‏:‏ فقلت له صوِّب ولا تجهدنَّه فيدنك من أخرى القطاة فتزلق فهذا على النهي كما قال‏:‏ لا تمددها فتشققها كأنَّه قال‏:‏ لا تجهدنّه ولا يدنينّك من أخرى القطاة ومثله من النهي‏:‏ لا يرينَّك ههنا ولا أرينَّك ههنا‏.‏

وسألته عن آتي الأمير لا يقطع الِّصَّ فقال‏:‏ الجزاء ها هنا خطأ لا يكون الجزاء أبداً حتى يكون الكلام الأول غير واجب إلا أن يضطرَّ شاعر‏.‏

ولا نعلم هذا جاء في شعر البتَّة‏.‏

وسألته عن قوله‏:‏ أما أنت منطلقاً أنطلق معك فرفع‏.‏

وهو قول أبي عمرو وحدثنا به يونس‏.‏

وذلك لأنّه لا يجازي بأن كأنّه قال‏:‏ لأن صرت منطلقاً أنطلق معك‏.‏

وسألته عن قوله‏:‏ ما تدوم لي أدوم لك فقال‏:‏ ليس في هذا جزاء من قبل أن الفعل صلة لما فصار بمنزلة الّذي وهو بصلته كالمصدر ويقع على الحين كأنّه قال‏:‏ أدوم لك دوامك لي‏.‏

فما ودمت بمنزلة الدَّوام‏.‏

ويدلّك على أنَّ الجزاء لا يكون ها هنا أنك لا تستطيع أن تستفهم بما تدوم على هذا الحدّ‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ كلَّما تأتيني آتيك فالإتيان صلة لما كأنه قال‏:‏ كلَّ إتيانك آتيك وكلَّما تأتيني يقع أيضاً على الحين كما كان ما تأتيني يقع على الحين‏.‏

ولا يستفهم بما تدوم‏.‏

وسألته عن قوله‏:‏ الذي يأتيني فله درهمان لم جاز دخول الفاء ها هنا والَّذي يأتيني بمنزلة عبد اللَّه وأنت لا يجوز لك أن تقول عبد الَّله فله درهما فقال‏:‏ إنَّما يحسن في الَّذي لأنه جعل الآخر جواباً للأوَّل وجعل الأوّل به يجب له الدرهمان فدخلت الفاء ها هنا كما دخلت في الجزاء إذا قال‏:‏ إن يأتني فله درهمان‏.‏

وإن شاء قال‏:‏ الذي يأتيني له درهمان كما تقول‏:‏ عبد الَّله له درهمان غير أنَّه إنما أدخل الفاء لتكون العطّية مع وقوع الإتيان فإذا أدخل الفاء فإنما يجعل الإتيان سبب ذلك‏.‏

فهذا جزاء وإن لم يجزم لأنَّه صلة‏.‏

ومثل ذلك قولهم‏:‏ كلّ رجل يأتينا فله درهمان‏.‏

ولو قال‏:‏ كلّ رجل فله درهمان كان محالاً لأنه لم يجيْ بفعل ولا بعمل يكون له جوابٌ‏.‏

ومثل ذلك‏:‏ ‏"‏ الذَّين ينفقون أموالهم بالَّليل والنَّهار سرَّاّ وعلانيةً فلهم أجرهم عند ربِّهم ‏"‏ وقال تعالى جدُّه‏:‏ ‏"‏ قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ‏"‏ ومثل ذلك‏:‏ ‏"‏ إنّ الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثمَّ لم يتوبوا فلهم عذاب جهنَّم ولهم عذاب الحريق‏.‏

وسألت الخليل عن قوله جلَّ ذكره‏:‏ ‏"‏ حتَّى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها ‏"‏ أين جوابها وعن قوله جل وعلا‏:‏ ‏"‏ ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ‏"‏ ‏"‏ ولو يرى إذ وقفوا على النَّار ‏"‏ فقال‏:‏ إن العرب قد تترك في مثل هذا الخبر الجواب في كلامهم لعلم المخبر لأيِّ شيء وضع هذا الكلام‏.‏

وزعم أنَّه قد وجد في أشعار العرب ربَّ لا جواب لها‏.‏

من ذلك قول الشمّاخ‏:‏ ودوّيّةٍ قفرٍ تمشِّى نعامها كمشي النَّصارى في خفاف الأرندج وهذه القصيدة التي فيها هذا البيت لم يجيء فيها جوابٌ لربَّ لعلم المخاطب أنّه يريد